شرح قصيدة في مدخل الحمراء
شرح قصيدة في مدخل الحمراء التي تسمى أيضاً قصيدة غرناطة واحدة من قصائد الحنين التي جادت بها قريحة الشاعر نزار قباني في مدريد في غربته في الأندلس، وهي قصيدة رومانسية يتصور فيها نزار نفسه مع امرأة أندلسية إسبانيّة ويسرد قصة حواره معها بطريقة درامية شائقة، وفيما يأتي من عالم المعرفة شرح قصيدة في مدخل الحمراء للشاعر نزار قباني:
شرح قصيدة في مدخل الحمراء
- في مدخلِ الحمراءِ كانَ لقاؤنا
- ما أطـيبَ اللقْيا بلا ميعادِ
- عينانِ سوداوانِ في حَجَريهما
- تتوالـدُ الأبعادُ مـنْ أبعـادِ
- هل أنتِ إسبانيةٌ؟ ساءلتُها
- قالتْ: وفي غـرناطةٍ ميلادي
يبدأ الشاعر نزار قباني قصيدة في مدخل الحمراء بتحديد المكان الذي التقى فيه الفتاة الإسبانية، في مدخل قصر الحمراء في غرناطة في الأندلس، كان لقاء قباني بالفتاة الإسبانية وهذا ما أثار إعجاب الشاعر فاللقيا تحلو عندما تكون مصادفة بحسب تعبيره، ثم يبدأ بوصف الفتاة التي التقاها، الفتاة ذات العينين السوداوين اللتين تحملان أبعاداً وآفاقاً في امتدادهما، ثم يسألها: هل أنت إسبانية؟ فتجيبه: وولدت أيضاً في غرناطة.
- غرناطة؟ وصحتْ قرونٌ سبعةٌ
- في تينَك العينينِ بعد رقاد
- ِ وأمـيةٌ راياتُها مرفوعةٌ
- وجيـادُها موصـولةٌ بجيـادِ
- ما أغربَ التاريخَ! كيفَ أعادني
- لحفيـدةٍ سـمراءَ من أحفادِي

ثم يأخذ الشاعر الذهول وتعيده الذاكرة عندما لفظت الفتاة كلمة غرناطة، أعادته ذاكرته إلى القرون السابقة التي حكم فيها العرب المسلمون غرناطة وبلاد الأندلس، ويذكر الأمويين الذي رفعوا راياتها على كل قرى الأندلس وبنوا حضارة عظيمة من العلم والأدب والفن، وكانوا أهل قوة وعزيمة فجيادهم في الحرب متبوعة بجياد أخرى وجيوشهم جرارة لا تصد، ثم يتعجب الشاعر من التاريخ الذي أعاده إلى امرأة إسبانية تحمل ملامح أجداده العرب الذين كانوا هنا ذات يوم.
- وجهٌ دمشـقيٌّ رأيتُ خـلالَه
- ُ أجفانَ بلقيسٍ وجيـدَ سُعَـادِ
- ورأيتُ منـزِلنا القديمَ وحجرة
- ً كانـتْ بها أمِّي تمدُّ وسـادِي
- واليـاسمينةُ رُصِّعَتْ بنجومِها
- والبركـةَ الذَّهبيـةَ الإنشـادِ
ثم يصف الشاعر جمال تلك الفتاة التي التقى بها، فيشعر أنه التقى بفتاة دمشقية، أجفانه يشبهن أجفان بلقيس وجيدها كجيد سعاد في إشارة إلى جذورها العربية، كما يقول الشاعر إنه رأى في هذه الفتاة منزله القديم وغرفته التي كانت أمه ترتبها وتمد البسط فيها، ورأى في هذه الفتاة ياسمينة دمشق التي أزهرت نجوماً ورأى فيها البركة الدمشقية التي تقع في ساحات البيوت الشامية القديمة، ذات النافورة التي تنشد أحلى الأناشيد.
- ودمشقُ، أين تكونُ؟ قلتُ: ترينَها
- في شعـركِ المنسابِ نهرَ سواد
- ِفي وجهكِ العربيِّ، في الثَّغرِ الذي
- ما زال مختـزنًا شمـوسَ بلادِي
- في طيبِ “جناتِ العريفِ” ومائِها
- في الفلِّ، في الرَّيحـانِ، في الكبَّاد
ثم يسرد الشاعر سؤال الفتاة الإسبانية له، فقد سألته عن موقع دمشق، فقال لها دمشق في سوار شعرك وانسيابه، دمشق في وجهك ذي الملامح العربي، في ثغرك الذي تقفز منه شموس بلادي، في الجنان والماء والفل والريحان وفي كل التفاصيل الساحرة.
- سارتْ معي، والشَّعر يلهثُ خلفَها
- كسنابـلٍ تُركَتْ بغيرِ حصَاد
- ِ يتألـَّقُ القِـرطُ الطَّـويل بجيدها
- :مثـل الشموع بليلـةِ الميـلاد
- ِ ومـشيتُ مثلَ الطِّفل خلفَ دليلتِي
- وورائِيَ التَّاريـخُ كـومُ رمـاد
- ِ الزَّخـرفاتُ أكادُ أسمعُ نبـضَها
- والزَّركشاتُ على السُّقوفِ تُنادي
ثم يصف قباني في قصيدة في مدخل الحمراء مشهد سيره معها في مدخل الحمراء، فيقول، سارت قربي وكان شعرها يركض خلفها مثل سنابل القمح الناضجة التي تأخر موعد حصادها، وكان القرط في أذنها يلمع لمعان الشموع في ليلة الميلاد، وكنت أمشي خلفها كالطفل وهي تدلني وتقودني، وكان خلفي تاريخي الكامل محطماً مدمراً، وكنت أمشي في مدخل الحمراء وأسمع الزخرفات والنقوش وهي تنادي باسمي واسم أجدادي.
- قالت: هنا الحمراءُ زهوُ جدودِنا
- فاقـرأْ على جـدرانِها أمجـادِي
- أمجادُها؟ ومسحتُ ُ جرحًل نـازفًا
- ومسحتُ جرحًا ثانيـًا بفـؤادِي
- يا ليتَ وارثتي الجمـيلةَ أدركـتْ
- أنَّ الـذينَ عـنتـهمُ أجـدادِي
- عانـقتُ فيهـا عنـدما ودَّعتُها
- رجلًا يُسمَّـى طـارق بن زيادِ
ثم ينتقل نزار في ختام قصيدة في مدخل الحمراء إلى حديث الفتاة الأخير، حيث قالت له: هنا الحمراء هنا أمجاد أجدادي، فانظر إلى الجدران واقرأ النقوش، فيحبس قباني دمعه ويسائل نفسه: أمجادها؟ عن أي أمجاد تتحدث، يا ليتها عرفت أن هذه الأمجاد هي أمجاد العرب، أمجاد أجدادي أنا وليس أجادها، ثم يذكر أخيراً أنه رأى فيها وعانق في طبيعتها عندنا ودعها رجلاً فتح الأندلس وبنى فيها حضارة كاملة اسمه طارق بن زياد.
أقرأ أيضا…تعبير عن العطف على الفقراء
وقد قدمنا شرح قصيدة في مدخل الحمراء الرائعة للشاعر نزار قباني وهو لم يقف عند الشعر فقط بل كتب مؤلفات نثرية وتناول أشكال شعرية كثيرة.